فيما كانت وسائل الإعلام الرسمية تنقل أخبار الاحتفال الرسمي الكبير الذي أقيم في دمشق في الخامس من كانون الأول الجاري بمناسبة يوم التطوع العالمي, كان كثير من السوريين يتساءلون عن المناسبة التي نادرا ما سمعوا بها.

فقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها في ديسمبر 1985، الحكومات إلى الاحتفال سنويا بالخامس من ديسمبر من كل عام ك"يوم دولي للمتطوعين من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحثتها على اتخاذ التدابير لزيادة الوعي بأهمية إسهام الخدمة التطوعية، وبذلك تحفز المزيد من الناس من جميع مسالك الحياة على تقديم خدماتهم كمتطوعين في بلدانهم وفي الخارج على السواء".

ويندرج تحت مفهوم التطور والعمل التطوعي والأنشطة التطوعية " المجموعة الكبيرة من الأنشطة، بما في ذلك الأشكال التقليدية من المعونة المتبادلة والعون الذاتي، وتوفير الخدمات النظامية وسائر أشكال المشاركة المدنية المضطلع بها من تلقاء النفس، لفائدة عامة الناس ودون أن يكون دافعها الرئيسي هو الحصول على مكافأة مالية".

وأعلنت الجمعية العامة، في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1997، عام 2001 بوصفه السنة الدولية للمتطوعين.

واعتمدت الجمعية العامة، بموجب قرارها المؤرخ 10 كانون الأول/يناير 2002، توصيات بشأن السبل التي يمكن بها للحكومات ومنظمة الأمم المتحدة دعم التطوع، ومن بينها، توصية الحكومات بدعم الأنشطة التطوعية عبر بيئة مواتية، وتشجيع وسائل الإعلام على القيام بدور داعم في أنشطة رفع مستوى الوعي العام بأهمية التطوع، وغير ذلك كثير.

لكن في سوريا، لا تزال المناسبة مجرد يوم للاستعراض الإعلامي، فيما يطغى على بقية أيام السنة محاولات إجهاض أي مبادرة للعمل التطوعي المجتمعي المستقل، إما بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا على الرغم من أن المجتمع السوري مجتمع فيه، تبلغ نسبة من هم دون الثلاثين فيه 60% من السكان في سورية وفقا للإحصاء الوطني الأخير الذي أجري سنة 2004. والقطاعات التي يمكن للعمل التطوعي أن يحقق إنجازات مهمة فيها، لا تعد ولا تحصى، خاصة في ظل الترهل والفساد الإداريين ما يحول دون توفير خدمات أساسية للمواطنين في غير مجال، وكان يمكن للعمل التطوعي – مع أنه يجب أن يكون رافدا لا بديلا- أن يقدم الكثير في تلك المجالات.

لكن تأتي أولا الأوضاع الاقتصادية المتردية، لتعزل أغلبية هذا المجتمع الفتي عن مجال العمل التطوعي؛ فالشباب السوري يرزح تحت ثقل البطالة والبحث المضني عن فرصة عمل, حيث تبلغ نسبة البطالة 34% في الفئة العمرية الشابة بين 20 و24 سنة وفقا للأرقام الرسمية عام 2006. فالبحث عن موارد معيشية لحياة متوسطة أو ما دون، ومحاولة تأمين المستقبل الغائم في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وغياب تكافؤ الفرص واستشراء الفساد، يستهلك الوقت والطاقة النفسية والمعنوية بشكل شبه كامل لأغلبية السوريين.

ومع ذلك، فهذا لم يمنع الكثير من الشباب السوري للمبادرة في المشاركة بمشاريع تطوعية ذات أبعاد تنموية خاصة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. إلا أن معظم تلك المبادرات للأسف منيت بالفشل، بسبب من الضغوط والمعيقات الأمنية التي لا تنتهي.

على سبيل المثال، في مدينة طرطوس, كانت قد بدأت تجربة لجمع الأطفال كي يرسموا في الشارع, بما يشكل ملتقى للأطفال والمبدعين لتنمية هواية جميلة وتكوين الصداقات وتشجيع روح العمل التطوعي؛ وبدأ الشباب بالتطوع والمشاركة للإشراف على الأطفال والمضي في التجربة, وتبرعوا من أجل تأمين مستلزمات الرسم, فكان أن تصدت لهم أجهزة الأمن في المحافظة, وشيئا فشيئا بدأ تفرق جمعهم وانسحبوا واحدا إثر الآخر من التجربة.

هنالك بالطبع العديد من المشاريع الأخرى التي منيت بالفشل, وهي ما تزال بعد في طور التحضير, ومنها على سبيل المثال, مهرجان محلي كانت فكرته تنشيط السياحة الثقافية في الأرياف قام بالتحضير له مجموعة من الشباب من عدة محافظات سورية سنة 2004, وعبر العديد من الجلسات المطولة, من غير أن يستطيع المهرجان في النهاية أن يرى النور, لأن مهرجانا كهذا بحاجة إلى العديد من الموافقات الأمنية.

ولا ننسى ما بات يعرف ب"شباب داريا" الذين قاموا منذ سنوات بحملات لتنظيف مدينتهم ومحاربة الرشوة بأساليب مبتكرة، وكان أن انتهوا إلى السجن والمحاكمة. بالإضافة إلى عشرات المبادرات الأخرى سواء على المستوى الشبابي أو على مستوى ناشطين في الشأن العام.

أما على الصعيد الرسمي، فالمنظمات الرسمية التي يشكل الشباب جمهورها كاتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سورية تقيم نشاطات سنوية منقطعة عن مفهوم التطوع ودوره في المجتمع، وغالبا ما تكون ملزمة للطلاب رغم أنها تندرج تحت عنوان التطوع.

أما المنظمات المدنية ذات الطابع الإقليمي أو العالمي كالهلال والصليب الأحمر, فإن تجربتها ليست أكثر إيجابية.
ففي حين بلغ عدد المتطوعين المسجلين في أحد فروع الهلال الأحمر السوري في إحدى المحافظات ما يقارب مائتي شابة وشاب, التحق ما لا يزيد عن خمس وعشرين منهم بنشاط إنساني عاجل دعت له المنظمة إثر حريق كبير اندلع سنة 2006 في الغابات مشرّدا الآلاف من السكان.

ولا شك بأن قلة فرص التدريب والمشاركة, تلعب دورا في عدم مبادرة الشباب للعمل ضمن المنظمات بشكل تطوعي. لكن الأهم هو البيئة المناسبة للعمل التطوعي والتي لا يمكن أن تنفصل عن تشجيع المبادرة والحرية الشخصية ومنظمات المجتمع المدني.

العمل التطوعي هو جزء من
حيوية المجتمع واستقلال أفراده وضمانة حقوق المواطنة للجميع؛ لكن أيضا، العمل التطوعي يمكن أن يشكل مساهمة نحو تحقيق ذلك المجتمع وإيقاظ روح المبادرة لدى أفراده.


هيام جميل، (العمل التطوعي في سوريا بين الدعاية والوقائع)

عن موقع "النداء"، (12/2009)